الخميس، 31 ديسمبر 2015

أزمة السكن السعودية

أزمة السكن السعودية التي يتحدث عنها الناس كثيراً اليوم، يقصدون بها "عدم قدرة الفرد على تملك مسكنه الخاص بيسر"، ولا يقصد بها عدم وجود مساكن، كما قد يتبادر الى الذهن. فأزمة السكن شيء وأزمة تملك المسكن شيء آخر.

السعودية على مدى العشر سنوات الأخيرة قامت فيها تنمية عمرانية كبيرة (يسميها البعض بالطفرة الثانية، منذ 1424هـ تقريباً )، أنشئت الكثير من الأحياء السكنية واتسعت رقعة المدن وظهرت مدن جديدة (مثل المدن الاقتصادية والتي بها مناطق سكنية متكاملة)، لذا فإن المساكن موجودة وقد يكون كثير منها خالياً، ومن السهل  مراجعة آخر إحصاء سكاني لمقارنة عدد المساكن بعدد الأسر. فلماذا لا يستطيع المواطن تملك مسكنه.

عدم قدرة المواطن العادي على امتلاك مسكنه هي بسبب ارتفاع قيمة شراء المساكن بالمقارنة مع دخل المواطن وبصورة مبالغ فيها كثيراً. مع العلم أن إحدى القواعد الأولية في علم الاقتصاد تقول "أن سعر السلعة يجب ألا يزيد عن القدرة الشرائية للمستهلك وإلا تعرضت للكساد". اذا كانت هذه قاعدة اقتصادية صحيحة (وقد أجمعت النظرية والتطبيق على صحتها) فلماذا يحدث عندنا العكس؟. سعر السلعة (العقار) يرتفع كثيراً عن قدرة المستهلك (المواطن) ولا تتعرض السلعة للكساد، بل تتجه صاروخياً للإرتفاع!!

قد يكون فشل هذه القاعدة الاقتصادية في سوق العقار أسباب كثيرة، لكنني أرى أن أبرز أسباب هذا الفشل بإختصار في سوقنا السعودي هو: زيادة طلب من قبل غير المستهلك (المستثمر وليس المواطن)، أدى الى قلة المعروض وإحتكار البعض. وتفصيل ذلك كالتالي..

مع بداية الطفرة الاقتصادية الثانية، أخذت إيرادات الدولة في الإزدياد لأسباب كثيرة فتوجهت الحكومة لسياسة توسيع الانفاق وزاد معه انفاق واستهلاك القطاع الخاص والفردي، فتوجهت معظم هذه الثروات لسوق الأسهم التي كانت قناة استثمار استوعبت معظمها. بعد أزمة الأسهم اتجهت هذه الأموال الضخمة للاستثمار بصورة كبيرة في قطاع العقار خاصة الأراضي. هذه الزيادة في الطلب على العقار كان المستهدف منها غالباً تخزين رؤوس الأموال وليس الاستثمار بها (كالتطوير العقاري او حتى المضاربة) مما أدى الى تراجع المعروض بشكل كبير مع الزمن. في حين لم يكن ينشط في السوق إلا المضاربون والمحتكرون من حين لآخر.

السوق العقاري بهذه الصورة (زيادة طلب، قلة عرض، احتكار) هو سوق متجه الى ارتفاع السعر دون شك. فكيف اذا كان يتنافس على الطلب في السوق نوعين من طالبي العقار: المستثمرين في الهكتارات والقطع الكبيرة (نقداً)، والأفراد طالب السكن بالقطعة (دين). هذه السوق فيها منافسة غير متوازنة لا في الأهداف ولا الامكانات. أدت زيادة طلب المستثمرين على الهكتارات الى رفع سعر القطع الصغيرة، فأصبح طالب السكن يواجه احتكاراً من طرفين كبار المستثمرين وتجار القطع، حتى أنه في بعض المدن أصبح كبار المستثمرين يتنافسون على البلكات (مجموعة متلاصقة من القطع السكنية) ؟!.

السعر بالنسبة للمستثمر او التاجر يعني التكلفة فهو يضيف عليها نسبة ربح معينة وفي الغالب يكسب، اما طالب السكن فزيادة السعر بالنسبة له هي زيادة تكلفة تباعد بينه وبين التملك كلما زادت وهي أصلاً تتعدى قدرته الشرائية بعشرات الأضعاف. فالمستثمر والتاجر إن وجدا السعر مجدياً معوضاً إشتريا وإلا فلا، أما طالب السكن (المواطن) فهو مضطر لقبول السعر إلم يجد أقل منه، حتى لو تحمل ثمنه ديناً مضاعفاً يمتد لعشرات السنوات.

عندما يصل الوضع في السوق الى هذا المستوى المنافسة فأرى أن الحل الأجدى هو تدخل جهة ثالثة تساعد على حل أزمة الاحتكار وارتفاع السعر، وهي الحكومة فالسكن سلعة أساسية لا يجوز أن تترك لتحكم او احتكار دون ضبط أو رقابة. الهدف من تدخل الحكومة لابد أن يكون اساساً لإعادة توازن السوق بحيث يخرج منه غير المستهلك والتاجر (أعني اخراج المستثمر) ويمنع الاحتكار من السوق. وأهم الخطوات التي تساعد على تحقيق هذا الهدف هي زيادة القطع والمساكن الحكومية كمنح أو قروض. وهذا سهل على الحكومة فهي تملك اقطاعات كبيرة داخل المدن تابعة للعديد من الوزارات وهي غير مستغلة. كما يمكنها بناء المساكن مباشرة او شرائها من المطورين وبيعها بأسعار متزنة تجبر أسعار العقارات المماثلة في السوق على التراجع. والحلول في هذا المجال كثيرة ليس هذا محلها.


سوق العقارات سوق كبيرة مؤثرة على الاقتصاد العام والخاص، فلا يجب أن تترك دون رقابة او تنظيم. لا نقول أن المتاجرة او الاستثمار في العقارات ممنوع او محرم، لكن المسكن سلعة أساسية لابد من توفيرها لطالبيها بأيسر السبل. ليستثمر من يريد في العقارات التجارية والصناعية والخدمية والتطوير مما يضيف قيمة اقتصادية على البلاد لكن الإدخار في "التراب" سيؤدي دون شك "للخراب".

0 التعليقات:

إرسال تعليق